كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} (35) ولو نوّنت في {ذائقة} ونصبت {الموت} كان صوابا. وأكثر ما تختار العرب التنوين والنصب في المستقبل. فإذا كان معناه ماضيا لم يكادوا يقولون إلّا بالإضافة. فأمّا المستقبل فقولك: أنا صائم يوم الخميس إذا كان خميسا مستقبلا. فإن أخبرت عن صوم يوم خميس ماض قلت: أنا صائم يوم الخميس فهذا وجه العمل. ويختارون أيضا التنوين. إذا كان مع الجحد. من ذلك قولهم: ما هو بتارك حقّه، وهو غير تارك حقه، لا يكادون يتركون التنوين. وتركه كثير جائز وينشدون قول أبى الأسود:
فألفيته غير مستعتب ** ولا ذاكر اللّه إلا قليلا

فمن حذف النون ونصب قال: النيّة التنوين مع الجحد، ولَكِنى أسقطت النون للساكن الذي لقيها وأعملت معناها. ومن خفض أضاف.
وقوله: {أَهذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} (36) يريد: يعيب آلهتكم. وكذلك قوله: {سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} أي يعيبهم. وأنت قائل للرجل: لئن ذكرتنى لتندمنّ وأنت تريد: بسوء قال عنترة:
لا تذكرى مهرى وما أطعمته ** فيكون جلدك مثل جلد الأشهب

أي لا تعيبينى بأثرة مهرى فجعل الذكر عيبا.
وقوله: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} (37) وعلى عجل كأنك قلت: بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة.
وقوله: {وَيَقُولُونَ مَتى هذا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ} (38) {مَتى} في موضع نصب، لأنّك لو أظهرت جوابها رأيته منصوبا فقلت: الوعد يوم كذا وكذا ولو جعلت متى في موضع رفع كما تقول: متى الميعاد؟ فيقول: يوم الخميس ويوم الخميس. وقال الله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} فلو نصبت كان صوابا. فإذا جعلت الميعاد في نكرة من الأيّام والليالى والشهور والسنين رفعت فلقت: ميعادك يوم أو يومان، وليلة وليلتان كما قال الله: {غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ} والعرب تقول: إنما البرد شهران وإنما الصيف شهران. ولو جاء نصبا كان صوابا. وإنّما اختاروا الرفع لأنك أبهمت الشهرين فصارا جميعا كأنهما وقت للصّيف. وإنما اختاروا النصب في المعرفة لأنها حين معلوم مسند إلى الذي بعده، فحسنت الصّفة، كما أنك تقول: عبد اللّه دون من الرجال، وعبد اللّه دونك فتنصب. ومثله اجتمع الجيشان فالمسلمون جانب والكفّار جانب. فإذا أضفت نصبت فقلت: المسلمون جانب صاحبهم، والكفّار جانب صاحبهم فإذا لم تضف الجانب صيرتهم هم كالجانب لا أنهم فيه فقس على ذا.
وقوله: {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} (39). وقوله: {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ}: فمن يمنعنى. ذلك معناه- واللّه أعلم- في عامّة القرآن.
وقوله: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} (42). مهموزة ولو تركت همز مثله في غير القرآن قلت: يكلوكم بواو ساكنة أو يكلاكم بألف ساكنة مثل يخشاكم: ومن جعلها واوا ساكنة قال كلان بالألف تترك منها النّبرة. ومن قال: يكلاكم قال: كليت مثل قضيت. وهى من لغة قريش. وكلّ حسن، إلا أنهم يقولون في الوجهين مكلوّة بغير همز، ومكلوّ بغير همز أكثر ممّا يقولون مكلّية. ولو قيل مكلىّ في قول الذين يقولون كليت كان صوابا. وسمعت بعض العرب ينشد قول الفرزدق:
وما خاصم الأقوام من ذى خصومة ** كورها مشنىّ إليها حليلها

فبنى على شنيت بترك النبرة. وقوله: {مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ} يريد: من أمر الرحمن، فحذف الأمر وهو يراد كما قال في موضع آخر {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ} يريد: من يمنعنى من عذاب اللّه. وأظهر المعنى في موضع آخر فقال: {فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا}.
وقوله: {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} (43) يعنى الآلهة لا تمنع أنفسها {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} يعنى الكفار يعنى يجارون وهى منّا لا تجار ألا ترى أن العرب تقول كان لنا جارا ومعناه يجيرك ويمنعك فقال: {يُصْحَبُونَ} بالإجارة.
وقوله: {وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدعاء} (45) ترفع {الصمّ} لأن الفعل لهم. وقد قرأ أبو عبد الرحمن السّلمىّ {ولا تسمع الصم الدعاء}، نصب {الصم} بوقوع الفعل عليه.
وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ} (47) القسط من صفة الموازين وإن كان موحّدا. وهو بمنزلة قولك للقوم: أنتم رضا وعدل. وكذلك الحقّ إذا كان من صفة واحد أو اثنين أو أكثر من ذلك كان واحدا.
وقوله: {لِيَوْمِ الْقِيامَةِ} وفى يوم القيامة.
وقوله: عز وجل {أَتَيْنا بِها} ذهب إلى الحبّة، ولو كان أتينا به كان صوابا لتذكير المثقال. ولو رفع المثقال كما قال: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ} كان صوابا، وقرأ مجاهد {آتينا بها} بمدّ الألف يريد: جازينا بها على فاعلنا. وهو وجه حسن.
وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً} (48) هو من صفة الفرقان ومعناه- واللّه أعلم- آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء وذكرا، فدخلت الواو كما قال: {إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظًا} جعلنا ذلك، وكذلك {وَضِياءً وَذِكْرًا} آتينا ذلك. وهو كقولك: آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء وذكرا. والآيتان 6 و7 من سورة الصافات.
وقوله: {وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ} (50) المبارك رفع من صفة الذكر. ولو كان نصبا على قولك: أنزلناه مباركا كان صوابا.
وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنا إبراهيم رُشْدَهُ} (51) هداه، إذ كان في السّرب حتّى بلّغه اللّه ما بلّغه. ومثله {وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها}: رشدها.
وقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} (57) كانوا أرادوا الخروج إلى عيدلهم، فاعتلّ عليهم إبراهيم، فتخلّف فَقالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ}، فلمّا مضوا كسر آلهتهم إلّا أكبرها، فلمّا رجعوا قال قائل منهم: أنا سمعت إبراهيم يقول: وتاللّه لأكيدنّ أصنامكم. وهو قوله: {سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إبراهيم}: يذكرهم بالعيب والشتم وبما قال من الكيد.
وقوله: {فَجَعَلَهُمْ جُذاذًا} (58) قرأها يحيى بن وثاب {جذاذا} وقراءة الناس بعد 117 بـ: {جُذاذًا} بالضم. فمن قال: {جُذاذًا} فرفع الجيم فهو واحد مثل الحطام والرفات. ومن قال: {جذاذا} بالكسر فهو جمع كأنه جذيذ وجذاذ مثل خفيف وخفاف.
وقوله: {عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ} (61): على رءوس الناس {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} عليه بما شهد به الواحد. ويقال: لعلّهم يشهدون أمره وما يفعل به.
وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا} (63) هذا، قال بعض الناس بل فعّله كبيرهم مشدّدة يريد: فلعلّه كبيرهم، وقال بعض الناس: بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون. فجعل فعل الكبير مسندا إليه إن كانوا ينطقون وهم لا ينطقون. والمذهب الذي العوامّ عليه: بل فعله كما قال يوسف {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ} ولم يسرقوا. وقد أيّد اللّه أنبياءه بأكثر من هذا.
وقوله: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ} (65) يقول: رجعوا عند ما عرفوا من حجّة إبراهيم فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} والعلم والظنّ بمنزلة اليمين. فلذلك لقيت العلم بما فقال: {عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ} كقول القائل: واللّه ما أنت بأخينا. وكذلك قوله: {وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} ولو أدخلت العرب أن قبل ما فقيل: علمت أن ما فيك خير وظننت أن ما فيك خير كان صوابا. ولَكِنهم إذا لقى شيئا من هذه الحروف أداة مثل إن التي معها اللام أو استفهام كقولك: اعلم لى أقام عبد اللّه أم زيد أو لئن ولو اكتفوا بتلك الأداة فلم يدخلوا عليها أن ألا ترى قوله: {ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} لو قيل: أن ليسجننّه كان صوابا كما قال الشاعر:
وخبّرتما أن إنّما بين بيشة ** ونجران أحوى والمحلّ خصيب

فأدخل أن على إنما فلذلك أجزنا دخولها على ما وصفت لك من سائر الأدوات.
وقوله: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً} (72) النافلة ليعقوب خاصّة لأنّه ولد الولد، كذلك بلغني.
وقوله: {وَلُوطًا آتَيْناهُ} (74) نصب لوط من الهاء التي رجعت عليه من {آتَيْناهُ}، والنصب الآخر على إضمار واذكر لوطا أو {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا} أو ما يذكر في أوّل السورة وإن لم يذكر فإنّ الضمير إنما هو من الرسالة أو من الذكر ومثله {وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ} فنصب {الريح} بفعل مضمر معلوم معناه: إمّا سخّرنا، وإمّا آتيناه. وكذلك قوله: {وَنُوحًا إِذْ نادى} فهو على ضمير الذكر.
وقوله: {وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ} وجميع ما يأتيك من ذكر الأنبياء في هذه السورة نصبتهم على النسق على المنصوب بضمير الذكر.
وقوله: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} (78) النفش بالليل، وكانت غنما لقوم وقعت في كرم آخرين فارتفعوا إلى داود، فقضى لأهل الكرم بالغنم، ودفع الكرم إلى أهل الغنم فبلغ ذلك سليمان ابنه، فقال: غير هذا كان أرفق بالفريقين. فعزم عليه داود ليحكمنّ. فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الكرم فينتفعوا بألبانها وأولادها وأصوافها، ويدفع الكرم إلى أرباب الشاء فيقوموا عليه حتى يعود كهيئته يوم أفسد، فذكر أن القيمتين كانتا في هذا الحكم مستويتين: قيمة ما نالوا من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم من الكرم. فذلك قوله: {فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ}.
وقوله: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ} وفى بعض القراءة: {وكنّا لحكمهما شاهدين} وهو مثل قوله: {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ} يريد: أخوين فما زاد. فهذا كقوله: {لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ} إذ جمع اثنين.
وقوله: {وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ} (80) و{ليحصنكم} و{لنحصنكم} فمن قال: {ليحصنكم} بالياء كان لتذكير الّلبوس. ومن قال: {لِتُحْصِنَكُمْ} بالتاء ذهب إلى ثأنيث الصنعة. وإن شئت جعلته لتأنيث الدروع لأنها هي اللبوس. ومن قرأ: {لنحصنك}، بالنون يقول: لنحصنكم نحن: وعلى هذا المعنى يجوز ليحصنكم بالياء اللّه من بأسكم أيضا.
وقوله: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الأرض} (81) كانت تجرى بسليمان إلى كلّ موضع ثم تعود به من يومه إلى منزله. فذلك قوله: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الأرض}.
وقوله: {وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ} (82) دون الغوص. يريد سوى الغوص. من البناء.
وقوله: {وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ} للشياطين. وذلك أنهم كانوا يحفظون من إفساد ما يعملون فكان سليمان إذا فرغ بعض الشياطين من عمله وكّله بالعمل الآخر، لأنه كان إذا فرغ ممّا يعمل فلم يكن له شغل كرّ على تهديم ما بنى فذلك قوله: {وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ}.
وقوله: {وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} (84) ذكر أنه كان لأيّوب سبعة بنين وسبع بنات فماتوا في بلائه. فلمّا كشفه اللّه عنه أحيا اللّه له بنيه وبناته، وولد له بعد ذلك مثلهم. فذلك قوله: {أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً} فعلنا ذلك رحمة. وقوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} (87) يريد أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا. وقوله: {فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ} يقال: ظلمة البحر، وبطن الحوت ومعاها مقصور الذي كان فيه يونس فتلك الظلمات.
وقوله: {وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}(88) القراء يقرءونها بنونين، وكتابها بنون واحدة. وذلك أن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة، فلا تظهر السّاكنة على اللسان، فلمّا خفيت حذفت.
وقد قرأ عاصم- فيما أعلم- {نجّى} بنون واحدة ونصب {المؤمنين} كأنه احتمل اللحن ولا نعلم لها جهة إلّا تلك لأن ما لم يسمّ فاعله إذا خلا باسم رفعه، إلا أن يكون أضمر المصدر في نجّى فنوى به الرفع ونصب {المؤمنين} فيكون كقولك: ضرب الضرب زيدا، ثم تكنى عن الضرب فتقول: ضرب زيدا. وكذلك نجّى النجاء المؤمنين.
وقوله: {وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ} (90) يقول: كانت عقيما فجعلناها تلد فذلك صلاحها.
وقوله: {أَحْصَنَتْ فَرْجَها} (91) ذكر المفسّرون أنه جيب درعها ومنه نفخ فيها.
وقوله: {وَجَعَلْناها وَابنها آيَةً} ولم يقل آيتين لأن شأنهما واحد. ولو قيل: آيتين لكان صوابا لأنها ولدت وهى بكر، وتكلّم عيسى في المهد فتكون آيتين إذ اختلفتا.
وقوله: {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} (92) تنصب {أُمَّةً واحِدَةً} على القطع. وقد رفع الحسن {أمتكم أمة واحدة} على أن يجعل الأمة خبرا ثم يكرّ على الأمة الواحدة بالرفع على نيّة الخبر أيضا كقوله: {كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى}. وفى قراءة أبىّ فيما أعلم: {إنّها لإحدى الكبر نذير للبشر} الرفع على التكرير ومثله: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ}.
وقوله: {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكِناها} (95) قرأها ابن عباس. حدثنى بذلك غير واحد، منهم هشيم عن داود عن عكرمة عن ابن عباس، وسفيان عن عمير وعن ابن عباس. وحدثنى عمرو بن أبى المقدام عن أبيه عن سعيد بن جبير {وحرم} وحدّثنى بعضهم عن يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعىّ {وحرم على} وأهل المدينة والحسن {وَحَرامٌ} بألف. و{حرام} أفشى في القراءة. وهو بمنزلة قولك: حلّ وحلال، وحرم وحرام.
وقوله: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} (96) والحدب كل أكمة ومكان مرتفع.
وقوله: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} (97) معناه- واللّه أعلم-: حتى إذا فتحت اقترب. ودخول الواو في الجواب في {حَتَّى إِذا} بمنزلة قوله: {حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها}. وفى قراءة عبد اللّه {فلمّا جهّزهم بجهازهم جعل السّقاية} وفى قراءتنا بغير واو. ومثله في الصافات {فَلَمَا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ} معناه ناديناه، وقال امرؤ القيس:
فلمّا أجزنا ساحة الحىّ وانتحى ** بنا بطن خبت ذى قفاف عقنقل

يريد انتحى.
وقوله: {فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} تكون هى عمادا يصلح في موضعها هو فتكون كقوله: {إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ومثله قوله: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ} فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنّثة والتذكير للعماد. وسمعت بعض العرب يقول: كان مرّة وهو ينفع الناس أحسابهم فجعل هو عمادا. وأنشدنى بعضهم:
بثوب ودينار وشاة ودرهم فهل ** هو مرفوع بما هاهنا راس

وإن شئت جعلت هى للأبصار كنيت عنها ثم أظهرت الأبصار لتفسرها كما قال الشاعر:
لعمر أبيها لا تقول ظعينتى ** ألا فرّعنى مالك بن أبى كعب

فذكر الظعينة وقد كنى عنها في لعمر.
وقوله: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} (98) ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمن الحطب. حدّثنا أبو العباس قال حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدّثنى قيس بن الربيع عن محمد بن الحكم الكاهلىّ عن رجل سمع عليّا يقرأ {حطب} بالطاء. حدّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى ابن أبى يحيى المدنىّ عن أبى الحويرث رفعه إلى عائشة أنها قرأت {حطب} كذلك. وبإسناد لابن أبى يحيى عن ابن عباس أنه قرأ {حضب} بالضاد. وكلّ ما هيّجت به النار أو أوقدتها به فهو حضب. وأمّا الحصب فهو في معنى لغة نجد: ما رميت به في النار، كقولك: حصبت الرجل أي رميته.
وقوله: {يَوْمَ نَطْوِي السماء} (104) بالنون وبالتاء {تطوى} ولو قيل يطوى كما قيل {نَطْوِي} بالنون جاز. واجتمعت القراء على {السِّجِلِّ} بالتثقيل. وأكثرهم يقول: {للكتاب} وأصحاب عبد اللّه {لِلْكُتُبِ} والسّجلّ: الصّحيفة. فانقطع الكلام عند الكتب، ثم استأنف فقال: {كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} فالكاف للخلق كأنك قلت: نعيد الخلق كما بدأناهم {أَوَّلَ مَرَّةٍ}. وقوله: {وَعْدًا عَلَيْنا} كقولك حقّا علينا.
وقوله: {أَنَّ الأرض يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ} (105) يقال: أرض الجنّة. ويقال: إنها الأرض التي وعدها بنو إسرائيل، مثل قوله: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرض وَمَغارِبَهَا}.
وقوله: {إِنَّ فِي هذا لَبَلاغًا} (106) أي في القرآن.
وقوله: {يُوحى إلى أَنَّما إِلهُكُمْ} (108) وجه الكلام فتح أنّ لأن {يُوحى} يقع عليها. و{إنّما} بالكسر يجوز. وذلك أنها أداة كما وصفت لك من قول الشاعر:
أن إنّما بين بيشة

فتلقى أن كأنه قيل: إنما يوحى إلى أن إنّما إلهكم إله واحد.
وقوله: {قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} (112) جزم: مسألة سألها ربّه. وقد قيل: {قل ربّى أحكم بالحق} ترفع {أحكم} وتهمز ألفها. ومن قال: {قل ربى أحكم بالحق} كان موضع {ربى} رفعا ومن قال: {ربّ احكم} موصولة كانت في موضع نصب بالنداء.
وقوله: {إِنْ أَدْرِي} (111) رفع على معنى ما أدرى. اهـ.